الاستعمار الأموي!

ليس بين دول تاريخ الإسلام التي قرأت عن سياساتها دولة كلما مررت بها ازداد يقيني أنها الأقرب للاستعمار الأوروبي (والنمط الأنجلوساكسوني تحديدا) أكثر من الأموية!
من قلب سياسة الفتوحات من إسلامية هدفها الرئيسي دمج الشعوب الداخلة إلى الدين نفسه لخدمته والقيام على أمره بمساواة، إلى عربية استعمارية ثم إسلامية، هدفها الرئيس تعزيز الفصل بين طبقة عربية عرقية وبين الشعوب الأصلية، والرسوخ في مقعد السيادة.
حتى سياسة دراسة الشعوب المحكومة كلها، وأولها الشعوب العربية، لفهم تفاصيل التفاصيل عن خلافاتها القبلية والعرقية، ثم استغلال ذلك لاحقا في التجنيد وصناعة الفرقة والفتن ولو بالأشعار وبعث أحقاد قبائل العرب في الشرق والأندلس، وبفهم تفاصيل الفوارق بين البرانس والبُتْر في المغرب العربي الكبير، كانت الأموية رائدة فيه؛ ففي كل الأحوال كان هذا الفهم الأنثروبولوجي والاجتماعي يوظف باستمرار لديمومة الفرقة وخدمة الطبقة المستعمرة والحاكم.
الدولة الأموية توشك أن تكون مفتاح كل شر ابتليت به الأمة الإسلامية لاحقا، وكانت الرائدة في كل باب، ثم فاقها السفاحون لاحقا، من استبداد وتوريث، إلى حصار لمكة والكعبة واستباحة المدينة، إلى أخذ الجزية من المسلمين، إلى استهداف وقتل العلماء والصالحين والصحابة لمحض المعارضة، إلى بعث فتن الجاهلية العربية وتقريب أشعر صناع الفتن، واستهداف سلالة معينة بالملاحقة والتضييق والإبادة أحيانا - وأي سلالة؟ سلالة النبي! -، وسب آل البيت والصحابة فوق المنابر لسنوات وسنوات، واغتيال الملوك الصالحين (في ظروف غامضة!)، وتغيير منطق الفتوحات من دمجي إسلامي إلى استعماري طبقي عنصري، واستباحة أموال المسلمين في بيت المال وفي غير بيت المال، وبدء الإرجاء بسبب شدة الاستبداد وقهره، وبدء نقاشات الفقه في صحة إمامة الفاسق شارب الخمر المجرم، وبدء الميل لليأس الفقهي من ثورات تغيير الظالمين المجرمين وصعود رأي ترك الخروج عليهم، وبدعة (الملك المؤله)، أي إقناع الملك بأنه لا حساب عليه أمام الله يوم القيامة، إلخ إلخ!
إن أمدح صنائع عمر بن عبد العزيز رحمه الله كلها، التي جعلت بعض المسلمين يجعله في مرتبة الخلافة الراشدة، ليس في فتوحاته، فقد غير السياسة الخارجية وأوقف مبدأ الحروب المستمرة، إنما في إزالته الكثير من مظالم الدولة الأموية، أو تعطيلها حينا على الأقل، قبل أن يموت سريعا!
وليس الغريب عندي أن يمتدح تلك الدولة ويذوب عشقا فيها منتسبو فرقة المداخلة، لكن الغريب والعجيب أن يرى الزمان ثائرا ضد الظالمين والطغاة المعاصرين، مولعا بالظالمين والطغاة التاريخيين!
لم يكن العباسيون أول من استهدف سلالة بالإيذاء والقتل والتشريد إن لزم، على جريمتهم الشنيعة في حق الأمويين، بل كان الأمويون المبادرين!
لم يكن القرامطة أول من اجترأوا على الكعبة ومكة كلها، بل كان الأمويون!
لم يكن الفرس والترك والعجم أول من استهدفوا سياسة عرقية عنصرية تجعلهم السادة بعزاءات جاهلية، بل كان الأمويون!
الدولة الأموية من جهة الشر العام، كان عصرها يقل في الشر عن عصر ما بعدها، لكنها مع ذلك كانت السباقة في كل باب من أبواب الشر تقريبا!
وعليه، ليس من الغريب أبدا أن يختار النظام السعودي الحاكم الحالي الدولة الأموية تحديدا كي يحاول مد صلته بها، باعتباره امتدادا لها، خاصة بعدما تغيرت هوية الدولة من شبه إسلامية إلى قومية محضة! لكن الفارق، حتى مع اشتراكهما في الظلم، يظل كما بين الثرى والثريا! بين دولة ظل الإسلام والفتوح جزءا أصيلا منها، لا يجرؤ كافر على أن ينُصَّ رأسه أمامها، وبين دولة كفى بها خزيا أن يعد أسفل طاغية في الأمويين ثريا بالنسبة لها!


Post a Comment

أحدث أقدم