الإسلام الحاخامي

عاش اليهود أزمانا متطاولة كانوا فيها شؤم الأمم، وكانت الأمم ذل اليهود، إذ تشتتوا في أرجاء الأرض، ولقوا الأمرين، بلا مسجدهم الجامع: هيكلهم، كعبتهم التي لا يكتمل دينهم بدونها، وبلا سيادة أو سلطان، منزوعي المهابة، محتقري الهامة، مطايا الرائح والغادي.
وفكَّر شيوخهم في تتابع مِحنَهم، ونحس تاريخهم، واهتدوا أن ربهم كتب عليهم الذلة، وقدَّر لهم الصغار = فبدلا من التوبة، والبحث عن نبي الهدى ودين الحق، ليتبعوه مجاهدين، وينصروه فرحين، سوَّدوا - سود الله وجوههم - الصفحات الطوال تنظيرا للقعود والوهن، والامتناع عن كل جهاد والاحتفاء بالخوَّار والزمِن، وصيروا دينهم التقية والنفاق، ثم جمعوا ذلك كله في اعتقاد انتظار مسيح آخر الزمان: نبي مؤيد بالإله، ثم هو نفسه كالإله، يفتح هو وربه بالقتال أبواب فلسطين، ويقيم لهم مملكة يحكموا بها الدنيا والدين، بلا مكافحة ولا أجل!
وما كان قولهم إلا تدوير قول أسلافهم (اذهب أنت وربك فقاتلا = إنا ها هنا قاعدون)!
فمقولتهم الشنيعة الأولى، رفعوها لمرتبة الاعتقاد، حتى صيَّروا كل سعي للعودة إلى فلسطين، وإعادة جهاد الفتح الأول = إثمُ زنيمٍ، وإفكٌ عظيم!
فزعموا أن مراد رب العالمين أن ينهزم أولياؤه، ويظلوا في صِغارهم محتقرين، انتظارا ليوم فتح لا يكون بعمل أيديهم، إنما بمعجزات وخوارق، يجريها على أيدي نبي شبه إله: يقاتل عنهم ولهم!
ضلَّ سعي المجرمين! أبدلا من أن يفقهوا أن قدر الله بضرب الذلة عليهم لا يرتفع إلا بالتوبة واتباع النبي الحق، والدين الخاتم، وأن الأصل في أوليائه الجهاد والعمل، لا انتظار المعجزات والأمل = فهم أهل الزيغ والإلحاد أن قدره هذا تثبيتا لجبنهم، وطلبا لخوارهم؟!
والحق أن الصهيونية أشبهت عقائد المسلمين في وجه، إذ تنزع عن اليهودية خنوع الحاخامات، وأساطير القاعدين، وتطلب الاجتهاد والعمل، والدفع ضد المعتدين والكافرين! فالصهيونية رفعت أهلها ما إن أخذت عن المسلمين مسحة من عقيدة العمل والجهاد!
وخاب مسلم يمدح عقائد يهود الخسة الحاخامية القاعدة، الذين يتضامنون مع المسلمين لا حبا لهم، إنما ذعرا من الجهاد، وفرقا من العمل، فكلا من يهودية الحاخامات، ويهودية الصهاينة، وسخ وضلال، لكن الصهاينة خير من القعدة، وخيريتهم تجعلهم أكفأ الناس لنا نحن: أسيادهم جميعا بمشيئة الله، وإلى أن يشاء الله.
غير أن أمتنا ابتليت بإسلام حاخامي هو الآخر، رأى غياب خلافته نهاية تاريخ سيادته، وتشرذم أئمته بدء خسف أمته، لا كمحنة وإن طالت، إنما كقدر حتم، وبدلا من أن يسعى للعمل والنهوض، والجهاد بالممكن والموجود، شابه قعدة اليهود، فنظَّر لذم كل ولي عامل، والقدح في كل جهاد شامل، ونحت دينا فارق به منهج الإسلام، وماثل يهودية الفسالة والهوان:
فمحض الحياة أسمى الأماني، والترف خير الفضائل، وحب الدنيا هو الدين، وكره الموت هو الاعتقاد! وحل المستضعفين المكلومين: انتظار آخر الزمان، وقدوم المسيح المؤيد من الله، هو يقاتل عنا، أما نحن، فإلى أن ينزل من السماء = إنا ها هنا قاعدون!
هكذا بالصهيونية انتقل بعض شرف جهاد المسلمين وأخذ ثمره، إلى شر أمة = فذاقوا خيرات السيادة، وانتشوا بمجد القوة!
بينما بالوهن انتقل بعض دُنوِّ اليهود وذوق مره، إلى خير الأمم = فتجرعنا عذاب الشتات، ووُطِئنا بارتضاء الهوان!
تصهينوا هم، وتهودنا نحن، فصرنا إلى ما ترى!
ولم يبق من أمل إلا في عصبة صابرة، ترابط مجاهدة، بينما يأفكها البعيد، ويخونها القريب، ويطعن في دينها وعملها عمائم ولحى، ثم هي لا تبالي!
فأرجو الله أن ينصرها، ويكف عنها شر المخذلين، وخوار المرجفين، وطعن منظِّري تهويد هذا الدين.
ثم أرجوه أن يثبتنا يوم نلقاه بحملنا الثقيل، وأن نكون على قدر البلاء حين وقوعه! 
أيتها العصبة العظيمة، دعواتكم أنتم لنا، فأنتم القدوة لكل مؤمني أحرار هذه الأمة، بكم نرجو الاتباع، لا اللحوق، فقد علوتم بشرف سامق في زماننا، وأزمان طويلة من قبلنا!
نصركم الله لباب أهل غزة، وكف عنكم شر المدعين.
والحمد للملك المنتقم، الحمد لله رب العالمين.




Post a Comment

أحدث أقدم