في أهمية استخدام مصطلح اللوطية النسوية.

بسم الله،
إن من نكد زماننا اشتجار أهل الصلاح على أوضح المهمات، ونزاعهم الألد في الفروع وقت النوائب والرزايا، واستشراء حب التعصب للمذهب والرأي في زمنٍ يتفق فيه أهل السوء على الكلمة الواحدة والرد الواحد، ويتواطأ أرباب الفاحشة على الاكتفاء بأنزر الأصول والمياسرة في تشتت المذاهب، فيتجتمعون ونفترق، وينزل بعضهم لبعض، ونطأ بعضنا بعضا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن الصور التي يتجلى فيها ذلك الوضع الأشأم، نزاع المسلمين وأهل حراسة الملة في استخدام مصطلح يصف اللوطية وأهلها، فقد يغري بالبعض جهلهم بالعربية وتراث الشريعة كليهما أن يُنكِروا استخدام مصطلح اللوطية، ويحرِّشهم العُجب بالرأي على أهل الاتباع المانعين استخدام سواه، فيستحسنون استخدام مصطلحات الشذوذ والمثلية، ويستقبحون ما تواضع عليه أئمتهم وأكابرهم جليلا عن جليل، ويصرمون حبال الود مع الصالحين المستمسكين، ويتَّرِعُون كبرا ظنا تنزيههم نبي الله لوط عن سوء أخلاقهم، وهم في هذا -لو يعلمون- من أجهل الناس، وأخسهم في التأدب، إذ يتهمون رسول الله والسلف الصالح أجمعين بالطعن في نبي الله، ولو يفقهون فدح صنيعهم، لبهتوا وترنَّحوا، إذ لا يُعذرون هم إلا بالجهل نجاةً من تلك البلية!


وقد بسطت القول عن المصطلح في كتاب دين المؤتفكات، غير أن البعض قد ينبذ ما دعوت إليه فيه من دعوة لاستخدام مصطلح اللوطية النسوية أو النسائية بدلا من مصطلح السحاق، فيزعمون أن اللوطية مصطلح شرعي، والسحاق كذلك، ولا يجب وصف ذلك بدل هذا، فاللوطية فعل الرجال بعضهم ببعض، والسحاق فعل النساء بعضهن ببعض، ويوردون إشكالات أرد عليها في ذاك المقال، وأجتهد في استيفائها بإذن الله.
فأقول، 
أولا: أن الزعم بأن مصطلح اللوطية شرعي مطلقا إن كان يعني به المستشكل أن من لا يستخدمه آثم، سواء كان مُحرما غيره أم مكروها = هو كلام لا أصل له، إذ لم يرد المصطلح في القرآن، أما في السنة المطهرة، فلم نره سوى  في موضع واحد لا غير، وهو حديث رسول الله عند أحمد يصف الإتيان في الدبر باللوطية الصغرى. فلا يوجد مصطلح محدد شرعي يصف اللوطية باصطلاح واحد ويحرم أو يكره استخدام سواه. إنما نقتصر عليه لتحقيقه مراد الشريعة ومقصودها.
ومصدرنا في كونه الأقرب لتحقيق مراد الشريعة، الاستخدام النبوي، والاستخدام الفقهي التراثي، وتواضع أهل الشريعة عليه جيلا وراء جيل، ومقصود الشريعة في تلك القضية التنكيل بأصحابها، الفاعل والداعي، ولا تنكيل أكبر من نسبتهم إلى قوم لوط، المغضوب عليهم من الله، المحتقرين عند البشر، المعذبين في الدارين، وكل ما عدا ذلك من مصطلحات، ولو حتى مصطلح الشذوذ، أقل رتبة في الوصم والتحقير، وبيان ذلك في دين المؤتفكات.
فالمكروه ليس مصطلحا محددا، إنما المكروه أو حتى المحرم هو كل مصطلح يخفف من الفاحشة، أو يُلين القول لأصحابها، أو يميع قضيتها، وعليه لا يكون مصطلح المثلية مكروها لذاته، إنما لدلالته عند من روجوه، أي اللوطيين، وهي دلالة ناتجة من إطار فاحش كافر لا لبس في ردة معتنقه / ونجد في كتب الأدباء -الكناية والتعريض مثلا- استخدام مصطلح العِلق لوصف المفعول به، ومع ذلك لا يستخدمه أهل الشريعة، إذ من معانيه الأصلية الشيء الثمين، فكل تسمية لا تُنكِّل بالفاعل مهجورة.
ثانيا: أن الشريعة لم يرد فيها -قرآنا ولا سنة ولا مرويات للصحابة- مصطلح ثابت للمارسة النسوية المقابلة للوطية الرجال، ومن بحث في كتب الفقه يعلم أنك تحتاج إلى المناقيش لاستخراج كلام عن هذه المسألة، في حين تجد تفصيلا جليا واضحا في لوطية الذكور، ولعل ذلك راجع لأمرين، أولهما ندرة هذا الفعل في المجتمعات، أي لوطية النساء، ما قد يجعل فقيها يقضي عمره دون أن ترد عليه مسألة متعلقة بتلك الفاحشة من الأصل، وثانيهما وضوح الحرمة لكل ذي عقل، وعدم حاجتها لقياس أو مهارة عقل لاستنباط فحشها، وعليه ندر الحديث عنه، حتى توشك أن تنهي كتابا من مبسوطات المذاهب ولا تجد للوطية النساء أثرا من ذكر، وإن وجدت تجد سطرا أو أقل، وقد غلب على الفقهاء استخدام مصطلح السحاق، لكن استخدم بعضهم مصطلح التدالك، فالاجتهاد في توصيفه أوسع من الاجتهاد في الأول، إذ لم تزودنا مصادرنا التي عرضناها من قبل بمصطلح جلي لها.
ثالثا: لم يرد في الأثر عن التابعين والقرون الأولى إلا المساحقة، ولوطية النساء، وقد أوردت الثاني في دين المؤتفكات فيُرجَع إليه، وعليه يكون استخدام هذا المصطلح ليس ابتداعا من كيسي، بل إحياءً لاستخدام ورد في الأثر، وموجود في كتب الشريعة منذ ألف سنة أو يزيد.
رابعا: أن بعض من أنكر اللفظ لم ينتبه أن الحديث النبوي الذي ورد فيه وصف اللوطية، لم يكن يتحدث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لوطية الرجال، بل ينبه على حرمة إتيان المرأة من دبرها، وعليه لا يمكن القول بأن المصطلح محدود الاستخدام بالممارسة بين الرجال بعضهم البعض، وأنه خاص لا يمكن تعميمه، بل إن ورود هذا الحديث دليل على القائل بالتخصيص، ولا يملك هو ما يقابله قوة أو حتى ما يدفعه به عنه قيد أنملة! فإن كانت ممارسة شذت عن الطبيعة بين رجل وامرأة وصفها رسول الله باللوطية لاجتماعها مع فعل قوم لوط في موقع المجامعة، أي الدبر، فكيف لا نصف باللوطية من اجتمعن مع أصول مذهب القوم، في الاكتفاء بنفس الجنس، ونبذ الجنس الآخر؟
خامسا: يورد بعض المُنكِرين ورود لفظ اللوطية عن (كثير) من أهل الشريعة / وأنا أدعو القارئ لأن يأتيني بمصطلح غيره استخدمه أهل الشريعة طوال 1300 سنة في كتبهم! هذا ليس مصطلح (الكثير) من أهل الشريعة، هذا (مصطلح) أهل الشريعة والمسلمين الذي تواضعوا عليه، ومن لم يستخدمه لم يقترح بديلا، بل تحدث عن فاحشة قوم لوط، ولم يُسمِّ الفعل، فلا شذوذ ولا غيره.
سادسا: يستشكل بعض المُنكِرين إحداث هذا المصطلح للبس شرعي، إذ اللوطية، وهي عندهم مختصة بالرجال كما ذكرنا، مختلفة عن السحاق، فحكم الأولى الحد، وحكم الثاني التعزير، فكيف نقول بأن كليهما لوطية؟ وذاك من أعجب الأقوال! أحينما نقول زنا العبد، وزنا الحر، يلتبس بينهما المتشرع أو المسلم عامةً لاختلاف الحد بينهما؟ هذا مصطلح مركب إضافي، نقول: لوطية الرجال، ولوطية النساء، ولا يصح الاكتفاء بجزء منهما، ولم أدعُ لذلك، بالتالي فالأمن من اللبس في الحكم ظاهر.
سابعا: يذكر بعض المُنكِرين أن من أوجه الخلاف الشرعي في العقاب هو الحد والتعزير، ولا يجب أن نخلط بالتالي بين هذا وذلك. وفي هذا ضعف استقراء للمذاهب، إذ لا يعاقب الأحناف اللوطي حدا عند أبي حنيفة رضي الله عنه، بل تعزيرا، وحتى القتل عندهم للفاعل آت بالتعزير، وقيل بل يقتله الإمام سياسةً، أما الإمامان محمد بن الحسن وأبو يوسف فقالا كالشافعية، أي الحد = وعليه يكون النقاش في إطلاق التفرقة بين الحد والتعزير، واتخاذها معيارا للتهوين، أو بيان نزول درجة الفاحشة إن أتتها النساء، ليس بشيء، ومذهب الأحناف موحٍ بإمكان قتل الإمام اللوطيات غير المستبيحات سياسةً وتعزيرا، وجعلهن هن واللوطيين في العقاب سواء، والتعزير الذي اقترحوه جارٍ على مذاهب الصحابة في اللوطيين، أي القذف من شاهق (من فوق مبنى أو جبل)، أو الحرق، أو الحبس في أنتن موضع بالمدينة (كآبار الصرف الصحي) حتى الموت.
ثامنا: أن التمسك بمصطلح السحاق، يجهل تطور الممارسات النسوية اللوطية الحالية، فهن يستدخلن الآلات في بعضهن البعض، ولا تكاد توجد الممارسة التي اشتهر بها الاسم قديما في الوقت الحالي، وقد سخرت إحدى اللوطيات النسويات قبل سنوات من هذا المصطلح، وقالت متهكمة إنها مستعدة إذا جاءها مُحرِّم أن تقسم له أنها لا تساحق أبدا، وبالتالي لا ينطبق عليها الوصف (الشرعي)!
ختاما،
هذه أيام فاصلات لا وقت للهزل فيها، وحسم اختيار المصطلح من أوجب واجبات زماننا، ودعوتي لإحياء مصطلح اللوطية النسوية ليس منبتًّا عن الأثر والسلف، بعكس دعوى المنكرين له، الذين يستخدمون مصطلحات كالشذوذ والمثلية التي لم ترد يوما عن أهل الشريعة، بل فيها ما فيها من رزايا فصلتها في الكتاب. 
وليجتهد الإخوة في الإصرار على مصطلح اللوطية وتعميمه، وليهجروا الملاحاة في الاصطلاح لقضية أخرى وزمن آخر!

عمرو عبد العزيز 
15 يونيو 2020

Post a Comment

أحدث أقدم