ضد الشعب: فضيلة العداء للثقافة السائدة!




رأيت اليوم كلاما لأحدهم، يعلن فيه ساخرا وغاضبا استحقاق المسلمين المطالبين بالشريعة، أي الإسلاميين في الاصطلاح الحديث -أو من يخالفونه منهم إذا عد نفسه إسلاميا- كراهية الناس لهم، ومناسبة ذلك جهرهم بمخالفة الناس في كل ميتة لفاسق مجاهر توفي داعيا إلى فسوقه كالممثلين ومن شابههم.

وأعجب والله من نصرة بعض الناس لهذا المنطق في التصويب والتخطئة، أي منطق حب العوام، وقد رأيت مثله قبلا عند بعض من اشتملتهم فكرة أن الإسلاميين منبوذون لأنهم يصادمون مجتمعاتهم.
قلت: وسيظلون أبدا في حالة نبذ وكراهية من المجتمع، طالما بقيت ثقافتهم (مضادة) معاندة لا مسايرة فيها لثقافة المجتمع الرئيسية، وهذا شرف لهم يستحقون به الرفعة في الدارين.
فثقافة المجتمع الرئيسية تتغير أسسها وتتبدل، بينما الشرع لا يتبدل، فإن تغيرت الثقافة الرئيسية إلى النقيض، تحول أصحاب الثقافة الأصيلة الشرعية إلى ثقافة منبوذة مضادة، وأمثلة ذلك في التاريخ والأمم لا حصر لها.
فقد تبدلت ثقافة المجتمع الرئيسية عندنا مثلا وتغيرت في المجتمعات الجديدة مرات عدة، وقبل مئة عام فقط كان الذي يمتدح فاسقا مجاهرا -كالراقصات والممثلين والممثلات- بين الناس هو ثقافة مضادة، بينما ثقافة المجتمع الرئيسية كانت تلعنهم وتُحقِّر من يتفهمهم، واسمعوا إن شئتم أو اقرؤوا سبب صعود نجم الممثلات المهاجرات الشاميات النصرانيات واليهوديات حتى منتصف القرن الماضي في مصر، فالتمثيل كان شبهة دعارة، وفسوق وفضيحة، عند المسلمين والنصارى معا، ولتطلع على سير الممثلتين أمينة رزق، المسلمة، وسناء جميل، المسيحية، وكيف أغلظت لهما الأسر وتبرأت منهما حينما أردن المشاركة في منبع الفسوق المجتمعي في الأرض كلها خلال القرن الأخير: صناعة التمثيل.
ثم انتكست الفطر والأحوال، وصار الممثلون من نُخب المجتمعات، خاصة العربية، فأصبحت الثقافة الرئيسية الأصيلة الممدوحة اليوم هي التي كانت مضادة ضد الأمة وضد المجتمع، قبل قرن واحد أو أقل، حتى نقلت اعتماد خورشيد عن عبد الناصر مقالة تنم عن احتقاره لفئة الممثلين والمجال كله في لقاء بينهما! بينما أصبحت الثقافة المضادة التي لم يكن ينصرها سوى العلمانيين المتطرفين قبل قرن واحد، وكان أصحابها أعداء للمجتمع = هي الثقافة الرئيسية التي يُطالب الإسلاميون اليوم بأن يستخفوا بما يخالفها ولا يجهروا بغير مقالتها!
وقل مثل ذلك عن اللوطية في أمريكا، مما بينته في الفصل الأخير من كتاب دين المؤتفكات، وأوضحت كيف تحركت من ثقافة مضادة، إلى ثقافة فرعية، ثم إلى ثقافة رئيسية. أما سبب مدح الغرب لذلك؛ فراجع لإيمانهم بالتقدم والتطور المجتمعي أكثر من إيمانهم بأي إله، فكل (تطور) خير، طالما عدوه خطوة في (تحرير الإنسان)!
وتلك ظاهرة عامة في الأمم، وليست وظيفة المسلم -الذي تحول إلى إسلامي رغما عنه!- إلا حفظ ثقافته التي هي دينه، وإن غضب المجتمع؟ نعم، بل تحديدا إن غضب المجتمع! وستظل ثقافة الإسلاميين مضادة إلى أن يأذن الله فتصح الموازين، وتصبح المعيارية للتصويب والتخطئة هي الشرع كما كانت قبل استيطان العلمانية بلادنا المنكوبة.
أما حب الناس معيارا، فنتركه للأفذاذ، الذين يعيش في أكناف الظالمين، ويمدحونهم وينصرونهم في كل حين.
فاعلم أنك بتمسكك بالشريعة ستظل ثقافة مضادة؛ طالما ظل المجتمع علمانيا! 
والويل كل الويل إن أنت تركت إنكار المنكر وإحقاق الحق والأمر بالمعروف! 
ويوم القيامة الكل آتيه فردا.
أما المساكين من الإسلاميين الباحثين عن (حب مجتمعاتهم) لهم، نصرة للإسلام، فلا بأس! قد قالها وعمل بها أقوام قبلكم، حتى داهنوا ولم يكد يبقى لهم شيئا من الديانة والإنكار، طمعا في حفظ الود مع الناس، فأدال الله دولهم بأخس البشر وأحقرهم مظهرا وأدونهم مخبرا، ولعب بهم في الدعوة والسياسة كل سفيه من الأراذل، وفاقهم حبا عند المجتمعات والشعوب كل سخيف من المهرجين، فمن لم يتعظ من ذاك فليس له واعظ!

31 مايو 2020

1 تعليقات

  1. جزاك الله خير
    نسأل الله تعالى أن يعز هذه الأمة عاجلاً غير آجل

    ردحذف

إرسال تعليق