لم يكن مُستغربا مسارعة (البعض لا الكل) من الإخوة السلفيين في الترحُّم على الهالك المدخلي، رأس أحد أخبث فرق الخوارج في تاريخ المسلمين، خلال الأيام الماضية.
ولعل سبب عدم الاستغراب أن عددا غير قليل منهم عنده:
(1) أزمة (تسعوُد) عقلية ونفسيَّة تُعجِزهم عن اتخاذ موقف محاداة ومفاصلة نهائية مع أشخاص وأفراد وكيانات كانت أو ما زالت في رعاية الدولة السعودية وخاصة إن تتلمذت على أيدي رعيل التسعينيات الأشهر من مشايخ السعودية.
وأزمة التسعوُد العقلي والنفسي كما تظهر بوضوح في استبطان (جيوبولتيك السعودية) في الخريطة الذهنية لعداواتهم، فتصبح إيران الشيعية عند المصريين مثلا ذعرا أكبر من إسرائيل اليهودية التي على حدودهم، فهي تظهر هنا كذلك بصورة أوضح في شعورهم الدائم بحالة انتماء وحنين للسعودية التي كانت والتي يُرجى أن تعود! ولا أوضح من أسطورة (السمت الملتزم) الذي يصنفون به أغلب أهل العلم وطلابه بين (شيخ) و(أستاذ/ غير شيخ) وهو صورة التسعوُد في الملبس والشماغ وأساليب الكلام وصولا إلى الاختيارات الفقهية والمنهجية.
(2) أزمة (تضخُّم) مسألة التشارك العقدي في الأسماء والصفات، وجعلها هي معقد الولاءات الأوحد، فيحدث اضطراب إن كلمته عن بدعة ومجون شيخ يشاركه الأسماء والصفات، لكن يُعبِّد الناس للطغاة والفاجرين، ويقع إنكار حين تقنعه بأن هذا الخبيث الملعون أشر من شيخ أشعري صوفي مطلقا! هذا شيء غير مُتصوَّر عند الكثيرين منهم! وذلك واضح في اضطرابهم وإحجامهم في تصنيف الهالك الخبيث وجماعاته المارقة كفرقة أصلا، أو كخوارج! ومن عجب التسعود أنهم لم يضعوا معيار التشارك في الصفات مع داعش كمعقد ولاء، وشهَّروا بهم كخوارج وبان بسهولة رأيهم، رغم أن الدواعش على سوءاتهم كانوا يشاركون أصلا إنسانيا عاما: وهو كره الظلم، ومعاداة الطغاة، بينما فرقة خوارج المداخلة تنشر فكرة معادية لا للإسلام وحده، بل للإنسانية مطلقا: وهو عبادة الطغاة ومحاربة المظلومين، فربما يكون ذلك بسبب الأول: تسعوُد الخريطة العقلية!
انتشار تسعوُد العقلية الجماعية السلفية المعاصرة بكافة مظاهره، إضافة لتضييق معقد الولاء والبراء على الصفات، سبب حالات الترحُّم التي رأيناها، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
إرسال تعليق