لم تكن يوما سبهللا!

لا! لست حُرًا في فعل ما شئت هاتفا: تلك ميولي الجنسية!

لا! كتم شهواتك المُستقبحة ليس خيارا إنما واجبا، وإلا فارض بعاقبة جهرك!

لا! لا نأبه إن هددتنا بالاكتئاب بل والانتحار! ذاك شأنك، إن شئت أهلكت نفسك، وإن شئت استبقيتها لنفسك، الدنيا ماضية بك أو بغيرك!

لا! لا نأبه إن شكوت من الاضطهاد، وبكيت من الاحتقار، وتألمت من تصوير المجتمع والإعلام إياك مختل العقل، قذر النفس، شاذ الميول!

أإن أخبرتنا أنك جُبِلتُ على ذلك، نسامحك، ونرضى بميولك، وندعم توجهك، ونُفسِح لك موضعا بيننا، الأسوياء؟  اللهم لا! إن جُبِلتَ على الميل لاشتهاء المُجرَّم = فقاوم نفسك، واعلم أن هذا لا يزحزحك عن العذاب قيد أنمُلة! إن فعلت عوقبت! إن جهرت عوقبت! اكتم وإن جُبِلت!

ليس كل ما سبق مقولا في حق اللوطيين من المسلمين! إنما هو قول العلمانيين أنفسهم!

أعلم مقدار عجبك، لكن هذا هو الحق الذي يتقافز العلماني لتبريره، هذا إن ذُكِّر به من الأصل!

إن الفرق بين اللوطي وبين الذين يُوجَّه إليهم هذا الكلام الغليظ، أن الأول خرج من (قائمة الأمراض النفسية) لا غير! لم يعد شذوذا (بارافيليا) بينما ما زال أخوته أسرى سجن الممارسات المريضة!

لقد أسمعك الإعلام كثيرا عن ألم اللوطي حينما كان مُقيَّدًا في ضنك (الاضطرابات الجنسية)، لكنه لم يُسمِعَك عن باقي الأسرى المُضطَهدين إلى اليوم، وهم كُثُر!

متشهي الأطفال (البيدوفيل)!

أرأيت الاشمئزاز الذي أظهرته على وجهك؟ لم ازوررت عنه؟ أليس لأن الإعلام والمجتمع يُجرِّم هذه الممارسة؟ أفكَّرت قبلا في قدر معاناته؟!

حتى دول الغرب، قبلة التحرر، تصوِّره في أفلامها مُجرما مريضا! ألاحظت أنهم كثيرا ما يجعلونه قبيح الحركات، خبيث الطوية، بل يتجاوزون أحيانا ويصوّرونه كالمسعور، مغتصب دوما، خائن أبدا! أليس هذا (تنميطا) مما يألفه السينمائيون والإعلاميون؟ كيف تُمرر تلك الصورة، و(تشهي الأطفال) منتشر في قيادات غربية سياسية أو دينية مُحترمة؟! إننا إذن نتحدث عن إنسان من (الصفوة) المجتمعية في دول (الصفوة) العالمية! كريم دو لا كريم كما يقولون! لماذا يصورونه إذن بذلك الشكل المقيت؟

لم يُعذَّب هذا الإنسان ويُنفَّر منه؟ لم يُبتذل في الإعلام مُجرمًا سافلا، في أنماط محدودة جدا، مستقبحة، تظهره من أدنى بيئات المجتمع؟

لم يُعاقَب من الأصل؟

لقد أجريت بضع دراسات بين عامي 2011 و2014 ، مسترشدة بنفس المنهجية التي تحدث بها الأولون عن الجين اللوطي Gay gene فرجحت جميعا الأصل الجيني لهذا الميل!

هناك أناس (خُلقوا) على حب الأطفال دون العشر سنوات! لقد قيس مثلا حجم النهد الذي يحبه أحدهم، فوجدوه يدور بين تسع سنوات وإحدى عشر عاما! هو لا يُثار من نهد امرأة بالغة، وقد أورد أمثال مايكل سيتو (رائد تلك الدراسات) مُدرَّج الثدي المُشتهى، فوجدوا أن الأمر ليس هيِّنًا! مشتهي الأطفال يُعاني حقا، بعضهم لا يشتهي ثدي امرأة فوق الثانية عشر! ميول المشتهي –بحسب الدراسات- مُرجَّح كونها جبليَّة، فُطِر عليها! إن صدقت حجاج الجين اللوطي، فلابد أن تُصدِّق حجاج الجين البيدوفيلي!

مطلوب من هذا الإنسان أن يتحمل سخافات المجتمعات، ويكتم ذلك بداخله، ولا يجهر به، ويظل يعاني إلى موته، بل ويوجهونه بالعلاج والتنميط إلى حب النساء البالغات! لقد كان متشهو الأطفال يقولون للمعالجين النفسيين حينما جالسوهم: إننا نحب (الطفولة) في شريكنا الجنسي! إن المثير عندهم ليس مجرد الجسد، بل (هوية الطفل) نفسه، حياته ولهوه وسذاجته الفطرية البريئة! هذا ما يزود ذكرهم بدم الانتصاب، ولا تنقضي نهمتهم إلا بعد جماع هذا الطفل!

Born that way.. لماذا لا تعمل هنا؟

لقد (بُرِنَ) هذا الإنسان (ذات واي)! لِمَ يشوهه المجتمع ويعاقبه حتى لمجرد الجهر بمراده وميله؟! لذا يقترح سيتو أن نُطبِّع وجود هؤلاء الناس ونحترم رغباتهم وميولهم وإن ظل (التنفيذ العملي) صعبا في الوقت الحالي، بسبب مفهوم (الاتفاق) بين الشخصين اللذين يجامع أحدهما الآخر، فالطفل إلى الآن ليس ذو أهلية قانونية إلى الآن كي يُوافق!

لكن لم لا يتغير الحال؟ لقد تطوَّرت أهلية الطفل الآن إلى درجة تمليكه حق (تحديد جنسه الحقيقي) دون النظر لأعضائه البيولوجية، وربما تجتمع في زمن قريب الدول الغربية كلها على نشر هذا المكتسب الحقوقي المستحدث!

فلم لا يكتسب أهلية قدرته على ممارسة الجنس نفسه؟ لم لا يكتسب أهلية حرية اختيار شريكه؟! فإن كان لعدم اكتمال الأعضاء الجنسية، فالأطفال متفاوتون في ذلك، وهناك من هي في التاسعة وقد أنجبت ممن هو في عمرها، وقد دحض ألفريد ماكينزي في منتصف القرن الماضي أسطورة أن الأطفال يعانون نفسيا طوال حياتهم إن مارسوا الجنس مع ناضجين قبل البلوغ، بل بين أن بعضهم استمتع بذلك، وقد تحمل بسبب تصريحاته هجوم اليمينيين واتهامهم إياه بأنه يٌطبِّع (تشهي الأطفال / البيدوفيليا)، وهي التُهمة التي تُلاحق إرثه إلى اليوم!

لِمَ يقول الغربيون كل ما ذكرته في المقدمة؟ ألا يشبه كلامهم هذا كلام المتطرفين المسلمين الذين يحاربون الميول التي خلقها الله في الإنسان؟

أنلجأ للطبيعة كي نستشهد؟ فلأستشهد أنا بالبونوبو، مجتمع القردة المنحلة جنسيا، الذي يحبه اللوطيون ويستشهدون به لبيان أن (اللوطية) بين الرجال بعضهم البعض، والنسوة بعضهن البعض، والجنس الجماعي، كل ذلك (طبيعي) تماما ولا بأس به، بل هو سبيل السعادة = إن مجتمع البونوبو نفسه لا اعتبار فيه لفارق السن، فيُجامِع قرد البونوبو البالغ ذكرا أو أنثى في مرحلة الطفولة، وتبدو نفس السعادة على الطرفين، فلماذا نتجاهل هذا الدليل الطبيعي؟!

وآه لو تحدثنا عن بقية القائمة: التعذيب مثلا (المازوخية).

هناك أشخاص ثبت أنهم لا يصلون إلى ذروة نشوتهم إلا إذا عَذَّبوا أو عُذِّبوا! إن حجة الاتفاق consent ليس لها موضع ها هنا! عندنا فردان بالغان يشتهيان تعذيب بعضهما البعض، والتبول على بعضهما البعض، بل ويصل الأمر إلى الجلد والجراحة والخنق، لماذا يُعدُّ كل ذلك قبيحا ومرضا نفسيا؟

وحينما تتحدث مع أولئك، تجدهم يقسمون لك أن (ذروة نشوتهم climax) ليس لها سوى ذلك السبيل كي تؤتى! بل وبعضهم يُصرِّح أنه لا يميل أصلا للجنس إلا إذا كان بتلك الصورة!

فإن سألت عن الحرية، قيل: لك الحرية أن (تفكِّر) في دخلك بما تشاء، أما أن (تفعل)، أو حتى (تجهر) برغبتك مادحا، فمُحال إمراره! لن يقبل (المجتمع) إلا وصفك بالمريض المختل، ولن تقبل الدولة بغير تهديدك وعقابك! ميولك (الشاذة) احبسها داخلك، ومرضى الشهوات كثر!

فإن قلت: ماذا عن الحب؟ ماذا إن أحببت طفلا وأحبني؟ أأكون أنا وهو مرضى؟ قالوا: إياك!

فإن قلت: ماذا إن أحببت امرأة أعذبها وأجرحها ووافقت هي سعيدة مرحبة؟ أنكون أنا وهي مرضى؟ قالوا: نُجهِّز لكما غرف المستشفى أو السجن!

لم هذا التهديد؟

لأن هناك معيارا للتصويب والتخطئة، وضعه المجتمع، وعليك احترامه والعيش وفقه، حتى إن رضيت ظاهرا وسخطت باطنا!

فإن قلت: ألن أكون منافقا حينها؟ قالوا: أحسن لك الإيمان، لكن لا نأبه أتنافق أم تؤمن، إنما لنا الظاهر وحده!

فإن قلت: ألا يشبه قولكم هذا قولة عمر التي يؤمن بها المتطرفون: (إنما نأخذكم بما ظهر لنا)؟ قالوا: لا نأبه بعُمَرَك، أما متطرفوك فلهم مقامع من حديد!

فلا! ليس كل ما اشتهاه الإنسان من ممارسات، أو مال إليه جنسيا، وإن وُلِدَ به، بالمُباح فعلا أو جهرا، شرقا وغربا، وجنوبا وشمالا!

فإن عُذِّب إنسان جراء قمعهم شهواته؟ قالوا له: فلتُعذَّب! هذا شأنك! إن شئت فاذهب للتداوي عند معالج نفسي، فإن لم تهتدِ إلى ضالتك، وظللت تدافع عن ميولك، وتتلوى ألما = فلن نأبه، إنما باطنك لك، ولنا ظاهرك، إن جهرت بأنك تتشهى الأطفال، أو تبحث عمن تعذبه، فتحمل قرع السيف! وكما لله محرمات، للدولة محرمات، وكما لله عقوبات، للدولة عقوبات، وكما يرفض الله الجهر بالخبائث والفُحش، ترفض الدولة الجهر بالخبائث والفُحش، إنما الخلاف في تحديد النطاقات، وصورة العقوبات، فعند الله من الخبائث اللوطية وتشهي الأطفال وإيذاء النفس والغير، إما الدولة فلا تخالفه سوى في إخراج اللوطيين من القائمة، ثم تتفق معه في غيرهم.

فالمُبتلى بفاحشة تشهي الأطفال، وخبيثة إيذاء النفس أو الآخرين، يعيش اليوم نفس المعاناة شرقا وغربا، ومع ذلك لا يتعاطف معه أحد، ولا يحميه قانون، ولا ينصفه إعلام، فإن اعتقد المُبتلى بحب اللوطية أنه معذب وحده، فلا يظنن ذلك، فكم من شهوات مُبتلى بها البشر، ولا يظنن أن إنصاف الغرب المزعوم يضطرد، ولو اضطرد ما تحمل لوطي صورة مثل ذلك المجتمع، الذي يصنع فيه كل إنسان ما يشتهيه من صور جنسية، وينفذ ما يطفئ لهيبه من ميول، ويُشبع ما يزيل كمده من فواحش!

إن كل إنسان في تلك الدنيا مُبتلىً، فليقاوم كل إنسان ابتلاءه، وليستغفر وليتب، ولا يغرنه أن بعض الأقوام يبيحون ما يُزينه له الشيطان، فيحسب أن واجبه ترك زمام نفسه، والانغماس في بليته، فإن أولئك الأقوام أنفسهم لا يبيحون كل زينة من شيطان، ولا يستقيمون منهجا في أقوالهم، فيستخدمون نفس خطاب المُحرِّمين في حق ما هو عندهم لا يزال حراما، ثم يشنعون على من بقي من غيرهم مُحرِّمًا.


عمرو عبد العزيز

2 سبتمبر 2020.

Post a Comment

أحدث أقدم