مخنث بيت أم سلمة: في نفي استدلال مشروع تطبيع اللوطية به.

بسم الله،
يستدلُّ رموز مشروع تطبيع اللوطية بين المسلمين على حديث نبوي، يستنبطون منه أن اللوطية كانت موجودة لا في مجتمع الصحابة، والسلف الأول، بل في بيت النبوة، ورضاه عنه -حاشاه!
وقد رأينا ذلك جهرا في الجدل الغربي-الغربي بين المسلمين المهاجرين، إذ يعتبر هذا الحديث من أهم الاستدلالات عند المرتدين دعاة اللوطية قبالة المسلمين، وبكل أسف يبدو أنه تسلل إلى الخطاب الإسلامي عند بعض من يروجون التطبيع مع التواجد اللوطي، وتبني الخطاب المتخنث معها، مثل أحمد سالم عن أستاذه شهاب الدين أحمد -وتصل العنعنة إلى دجالهما الأكبر ريتشارد كوهين!
وكان آخر من صُدِمتُ بتأثره بهذا الخطاب واستدلاله، هو الشيخ عبد الله العجيري، الرجل صاحب التصانيف المتقنة والنافعة، ففي لقاء له، تحدَّث عن قضية التواجد اللوطي، فذكر حديث مخنث بيت أم سلمة، وهو وارد في الصحيحين، ثم أتى بكلام النووي رحمه الله تعليقا على متنه المذكور في مسلم، وللنووي في هذا كلام معروف، بسبب رد ابن حجر عليه، وخلاصته أن المخنث نوعان، أولهما مُخنَّث فطرةً، فهذا لا إثم عليه، والثاني مُخنَّث تصنعا، وهذا هو المتوجَّه إليه الحديث النبوي بلعنه ونفيه.
ويؤخذ من هذا التعليق أمران:
أولهما. أن المخنثين تواجدوا في مجتمع الصحابة بل في بيت النبي ولم يُنكِر عليهم، إنما أخرج واحدا منهم فقط.
ثانيهما. أن المخنث المفطور على ذلك لا يؤثَّم، فقد جبله الله على هذا.
ومن هذين الأمرين يأتي الاستنتاجان الآتيان:
أولهما. أن المخنث اللوطي أو المترجلة اللوطية قد تولد مفطورة على هذا، خلقة الله، وهما لا يؤثمان على ما خُلِقا عليه.
ثانيهما. أن النبي والمجتمع قد رضيا باستضافة أولئك في بيوتهم دون نكير، وتوجه الإنكار لفرد، وعليه كيف نُنكِر على من يُعلن تخنثه ولوطيته، إذ هو مفطور على ذلك، إنما يتوجه اللوم على المتصنع.
ومن هذا يأتي الحكم الأخير، وهو ما يروج له شهاب بالفعل:
أن علينا كمسلمين أن نتعامل مع اللوطية بأدب وتهذيب ودماثة أخلاق، ومع وجود اللوطيين وجهرهم باعتباره أمرا طبيعيا = ولا يعني ذلك أننا نوافق على (ممارسة) اللوطية، إذ هي المُحرَّمة، بل علينا إدانتها بحسب معتقداتنا، لكن علينا كذلك احترام معتقدات من يبيحها ويروج لها، ولا نتطاول عليه أو نؤذيه، فاللوطية ثابت بشري موجود، لن نزيله ولن نتمكن في هذا الزمان من قمعه، وكيف نفعل، والنبي وصحابته أنفسهم لم يُغلِظوا على المخنثين والمترجلات من اللوطيين؟ إن هذا إلا بدع واختراع منا.
والجزء الأخير تحديدا كلام شهاب هذا، ولا يلزم أن أحمد سالم يؤمن به كله، إذ هو أعلم بحجم الإشكالات في هذا الطرح من ذلك الطبيب الغر، وبكل تأكيد لا يلزم أن الشيخ العجيري يؤمن بأكثر تلك اللوازم / إلا أن كلامه كان يوحي بكل ذلك للأسف، إن لم يكن له، فلمن يتابع هذا الجدال كله، إذ معلوم طريقة استخدام هذا الحديث والاستدلال به.
والرد على ذلك يكون بالنسق الآتي:
أولا. تحرير مصطلح المخنث المقصود في الحديث.
ثانيا. تحرير موقف النبي من المخنثين والمترجلات وآخر أمره معهم.
أما الأول،
فليس في كلام ابن حجر في الفتح، ولا كلام النووي نفسه، أي ذكر لترادف مصطلح التخنث أو الترجل = باللوطية.
والعلماء يُعرِّفون المخنَّث ليس بأنه من يدعو الرجال إليه، إنما بأنه من يتشبه بالنساء في الهيئة العامة، ورأسها الحركات كالتثني في المشي، والتكسر في الكلام، وقيل الزي، ورفض ابن حجر ضم الأخير إلى تعريفه، إذ دلالة الزي واسعة وراجعة إلى الثقافات وتنوعها. فليس في تعريفه علاقة مباشرة باللوطية.
وعليه حمل ابن حجر كلام النووي عن المُخنَّث المفطور على ذلك غير المؤثَّم، بأنه هو من كانت هذه هي حركاته وهيئة أفعاله بأصل الخلقة، وأنه من اجتهد في تعديل تلك الخلقة، باعتياد وإدمان المسالك القويمة للرجال = مأجور، وأن من لا يجتهد في علاج هذا، عليه الوزر إن رضي، ويصير متعمدا داخلا في الوعيد واللعن، أما إن اجتهد ونسي أو عجز -مع استمراره دون يأس- فلا يؤثم طالما هو مستمر في اجتهاده.
فكلام الأئمة يدور حول صورة هيئة إنسان، لا عن ميوله الجنسية ولا عن سلوكه الجنسي، وعليه ليس معنى المُخنَّث ضرورةً اللوطي المفعول به، ولا معنى المترجلة اللوطية الفاعلة، إنما المعنى محصور في الهيئة والحركات. ثم لما كان كلام النووي رحمه الله مُشكِلًا، أوله العلماء، وهذا أحسن من رده كليةً، كما هو معروف.
إذن هذا المصطلح أوسع في الدلالة من مصطلح اللوطية، بل ويختلف حسب عادات البلاد، فما قد يُعدُّ تخنُّثًا أو ترجُّلًا في بلد وثقافة، من هيئات وصور، قد يُعدُّ سلوكا عاديا في بلد آخر، فالأمر أوسع حتى من مجرد مبدأ نسبية الزي الذي رد به الإمام ابن حجر على من أدخله في التشبه، فالأمر أوسع من التشبه، إنما هو الشبه بنساء الثقافة، وهذا أضبط حدا، وإن لن يخلو هو الآخر من تعليقات ليس هنا محل بسطها.
ونحن نرى هذا في البلد الواحد، فبعض هيئات الأصوات والحركات الذكورية الحضرية تعدُّ في مناطق البداوة تخنُّثًا، وبعض هيئات الأصوات والحركات النسائية البدوية تعدُّ في مناطق التحضر ترجُّلًا، والخشونة والغلظة متفاوتة تفاوتا واسعا بين الثقافات المتنوعة طولا وعرضا.
لكن هناك عاملا آخر أحسبه قد فات الإمام ابن حجر الحديث عنه في هذا الموضع، وهو عدم الشهوة عند أولئك، فنساء المجتمع كن يعاملن المخنثين أنهم كالأطفال، لا اشتهاء للنساء عندهم، فكانوا يعدونهم من غير أولي الإربة، كما فسر بعض الفقهاء والمفسرين، وعليه هم كالأشياخ لا حرج في الخلطة بهم لانعدام الشهوة = لكن لاحظ مرة أخرى أنهم لا يتحدثون عن (عدم اشتهاء النساء واشتهاء الرجال)، بل عدم الاشتهاء مطلقا، أو ما يُطلق عليه الآن asexual، وهي حالة موجودة عند بعض النساء والرجال، لا يشتهون فيها الجنس مع أي شيء، ولا يُفكِّرون فيه، فالظاهر من حديث مخنَّث بيت أم سلمة أن هذا كان المعتقد، فقد كانت تجالسه هي وأخوها، ولو كان يشتهي الرجال كالنساء لحرم على أخيها مجالسته، وهذا دليل آخر على أنهم كانوا ينظرون لهم باعتبارهم معدومي الميول والشهوات، لا أنهم منحرفون جنسيا. وما يُزيد من قوة ذلك الدليل، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه يصف ما يُشتهى من النساء، أمر بطرده، إذ أنه انتبه حينها أن ذلك يعرف الجنس، ويدرك مثيراته، فحرُمَ دخوله على النساء. ومن الجلي أنه إلى هذا الحين لم يكن قد أتى في شأن المخنثين والمترجلات وحيٌ، وهو ما سنفصله في الجزء التالي.
إذن المخنث، صفته أنه شبيه بنساء ثقافة بلده في الأفعال والهيئات والحركات، ومعدوم الميول الجنسية، وليس من صفاته اللوطية أو طلب الرجال / وتكون المترجلة حينئذ هي الشبيهة برجال ثقافة بلدها في الأفعال والهيئات والحركات، ومعدومة الميول الجنسية، وليس من صفاتها اللوطية أو طلب النساء.
وبهذا يُفهم كلام الإمام النووي، مع توجيه الإمام ابن حجر: أن المفطور على الليونة والتماوت والحركة الناعمة، وهذا مُشاهَد في رجال كُثُر، هو الذي لا يؤثَّم، ما دام يطلب معالجة هذه الصفات الخَلقيَّة = أما إن لم يطلب علاجا ورضي بهذه الخلال، فيدخل في الوعيد واللعن. وليس في كلام الإمام النووي حرفا عن اللوطية، ولا كان يقصد أن هناك إنسان يُفطَر عليها، ويولد وهي في جبلته، فهذا تقويله ما لم يقله، كيف وهو صاحب المنهاج وكنوز الفقه، وفيه عقوبة المخنث واللوطية، ولم يُخالف أي اجتهاد للشافعية في هذا الباب، وهم فيه أشداء كغيرهم من أهل السنة؟
إذن فما علة تحريم التخنُّث، إن العلة الأولى هي ما قد يؤدي إليه الاستسلام لهذا التشبه، من فساد طبع المخنث، فأفعاله قد تشعره بأنه لن يكتمل في الشبه بالنساء إلا بطلب الرجال ودعوتهم لنفسه، وهذا أيضا مشاهَد من كلام المخنثين المفعول بهم، فهم يتدللون على الرجال الذين يلوطون بهم ويلبون احتياجات قد تأنف منها النساء نفسها، وهو ما عرضناه مبيَّنًا في الفصل الأخير من دين المؤتفكات، لأنهم يشعرون دوما أنهم نساء ناقصة، تحارب لإثبات أنوثتها، فيهتمون بالجماليات والمثيرات وتلبية الحاجات الجنسية كلها، بصورة متكلفة لا تحتاج أي امرأة لها، لأنها مفطورة على الجمال، فهي ليست في اختبار دائم مثله، ولا عقدة لديها تؤرقها ليلا ونهارا، بينما هو لديه عُقدة الشباب، فلن يتم الخامسة والثلاثين إلا والرجال ينصرفون عنه كليًّة، فيكون مسخا لا هو بالرجل ولا هو بالأنثى. وكذا المترجلة، فهي الأخرى مسخ، معقَّدة أبدا، فهي لا تملك آلة الذكور، ولن تملكها يوما، وكل هذا معلوم لمن يقرأ لأولئك ويعرف هذا الباب النتن.
والعلة الثانية ما قد يُحدِثه هذا المخنث نفسه بخلطته بالذكور، فهم أميل للتهيُّج على كل شيء، وحينما يرون إنسانا يحارب للتفوق على المرأة في صورة الأنوثة، يصعب أن يقاومه كل إنسان، فيهتاجون عليه، ويسعون في الفعل به، وحتى لو لم يكن ممن يشتهون الجنس، سيدفعه غزل الرجال إلى التفكير، ونفس الأمر المترجلة، بل النساء وضعهن أشد، لأن جوهر لوطية النساء هي العاطفة، فقد تُحبُّ أخرى في كل حال، ثم تزداد تلك الخطورة إذا كانت المرأة المترجلة تقدم نفسها كصديق، أعرف بالنساء ومداخلهن من الذكور، وهذا حادث أيضا بالفعل، فبعض الملعونات يقُلن نحن أعرف بحاجات النساء من الرجال، وأكثر إطالة في شفاء حاجتهن منهم. وهاتان العلتان للإمام ابن تيمية كلام في بيانهما أحسن وأشفى.
فالتخنث والترجل مُحرَّم كما قال أهل السنة لسببين:
أولهما. أنه تغيير لخلق الله، وكل تغيير لخلق الله ملعون صاحبه، كما استدلوا بحديث الواصلات على هذا، وخلقُ الله الإنسان الذكر بخلقة محددة، والنساء بخلقة أخرى، وتغيير هذه الخلقة تستوجب غضب الله ونزول لعنته على المُغيِّر.
ثانيهما. أنه إفساد للمجتمع، لأن حتى إن لم يعنِ التخنُّث والترجُّل اللوطية، فإن وجودهما سيكون كالقنبلة الموقوتة، والراجح من التجربة البشرية الطويلة أنه يكون من مقدماتها.
وآخر ما ننتهي به هنا، أن هذا مُبيِّنٌ أن المخنث أو المترجلة لا يكفي أن يكونا مستقيمان جنسيا، كأن ترى متخنثا متزوجا وطبيعي حياته، أو مترجلة متزوجة من رجل = فاللعن متوجه لهما، بغض النظر عن الميول، بل يجب عليهما إزالة ذلك المُنكَر، ولو قالا بأنهما لا يطرأ في عقلهما لواط.
أما الثاني،
فآخر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مع المخنثين والمترجلات = النفي والعقاب والوعيد بغضب الله ولعنته.
فالأحاديث الواردة عن المخنثين، كالآتي، أضعها مُرقَّمة، ثم نحاول التعرف معا على أيها الأول وأيها الآخر:
1) حديث مُخنَّث بيت أم سلمة، ونصه في البخاري.
عن أم سلمة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا في بيت أم سلمة، وعنده مخنَّث جالس، فقال لعبدالله بن أمية - أخي أم سلمة -: يا عبدالله، إنْ فتح الله عليكم الطائف غدًا، فأنا أدلك على ابنة غيلان، امرأة من ثقيف تُقبل بأربع، وتدبر بثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل هذا عليكن). صحيح - البخاري ومسلم.
2) حيث لعن المخنثين والمترجلات.
عن ابن عباس قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: (أخرجوهم من بيوتكم)، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلانا وأخرج عمر فلانة. صحيح - البخاري.
3) حيث مُخنَّث النفي.
عن أبي هريرة قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتيَ بمُخنَّث قد خضب يديه ورجليه، فقيل يا رسول الله! هذا يتشبه بالنساء = فنفاه إلى البقيع؛ فقيل ألا تقتله، فقال: ’إني نُهيت عن قتل المصلين). صحيح - أبو داوود.
وظاهر أن الفقهاء قد رأوا أن هذا هو الترتيب الصحيح للأحاديث، ولا يمكن الجمع بالقول أنها كلها تدل على نفس الأمر، إذ في الحديث الأول كان المخنثون والمترجلات في بيوتات الصحابة والنبي -بمعنى المخنثات والمترجلات الذي قررناه بالأعلى- وظاهر أن لم يكن قد جاء فيهم وحي، ولا ظهرت لهم علاقة باللوطية من قريب أو بعيد، وإلا كيف يُعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يقرأ على الناس الآيات المخوفات في بيان عقاب اللوطية، يرضى باللوطيين في عقر داره، يجالسونه ويجالسهم، ويدخلون على نسائه ويختلطون بأصحابه وخاصته؟ وهذا من شدة بداهته، يسخف جدا الاسترسال في بيانه، والتفصيل في توكيده.
ثم بعد ذلك جاء الوحي باللعن، والأمر بالطرد والنفي، في الحديث الثاني لابن عباس، فقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أن ذلك شذوذ عن الفطرة والجبلة، وأنه من مقدمات اللوطية، حتى إن لم يقصده أولئك. ثم جاء الحديث الأخير، وفيه بيان كيفية الطرد، وهو النفي إلى البقيع، إلى مكان مُوحِش، ومنه استقر الفقهاء على عقاب المخنث وتعزيره، أي النفي إلى مُوحِش، فقال البعض هو السجن إذن، لأنه في معنى النفي، كما هو معروف في نقاشات المذاهب.
ودليل صحة ذلك الترتيب:
أولا. أن لو كان الحديثان الأخيران هما اللذين قيلا أولا، لكان جلوس النبي معه وسماحه بدخولهم على أمهات المؤمنين فعلا يُناقِضُهما، فكيف يلعنهم ويطردهم ويأمر بنفيهم، ثم يجالسهم هو وأهله؟
ثانيا. أن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في الأخيرين هو ما استقر فعله عند الخلفاء الراشدين ثم ملوك المسلمين اللاحقين عليهم، ولو كان ثمَّ ريبة في حديث من الثلاثة، فسيكون في حديث المسامحة قبل المنع، لأن المتواتر معنويا هي أحاديث لعنهم وطردهم وعقابهم.
فنستنتج من كل ذلك الآتي:
أولا. أن المُخنَّثين والمترجلات المذكورين في الأحاديث على عهد النبي لم يكن يُتصوَّر أن لهم علاقة باللوطية أصلا.
ثانيا. أن الخناثة والترجل مصطلح واسع الدلالة، فيدخل فيه ما إذا كان خُلُق الرجل فيه ليونة، أو خلقها فيه غلظة، وهم غير مذنبون في أول الأمر، قبل تعريفهم بأن ما يصنعونه حراما، وأنه مؤدٍّ إلى ظلم النفس والغير والمجتمع، وتيسير السبيل إلى الفاحشة اللوطية.
ثالثا. أن الاستدلال بأحاديث التخنث والترجل ليس له علاقة بنقاش اللوطية، فلا كان رسول الله ومجتمع الصحابة يرون علاقتهم بها، وحاشاه وإياهم أن يرضوا بذلك والعياذ بالله، ثم لما نزل الوحي في آخر الأمرين بلعنهم وطردهم ونفيهم بيَّن تلك العلاقة = فالحكم على المخنث والمترجلة بآخر ما جاء نصا، وهذا معروف، وما قبل ذلك من فعل منسوخ، فلا يُقال أنه كان هناك تسامح مع المخنثين والمترجلات، ويُستدلُّ بذلك على الصحة، فآخر ما عندنا أن هذا نُسِخ، وأُمِرنا بلعنهم وتعريفهم بجرمهم وأنهم مذنبون آثمون إن لم ينتهوا عما هم فيه ويسعون لذلك.
أما إن ثبت عنهم اللوطية = فعقابها الغليظ، المثبت في المذاهب، وهذا موضوع آخر، يُنظَر لتفصيله ثالث فصول كتاب دين المؤتفكات.
وآخر كلامنا، أن هذا الاستدلال، حينما يُبسَطُ إلى تمامه، ويجمع شعثه = يكون حجة على مشروع تطبيع اللوطية، لا حجة لهم.
فالنبي كان آخر أمره طردهم ولعنهم ونفيهم وسجنهم وحشد المجتمع عليهم، هذا وأولئك بالمعنى الذي أقررناه ليسوا متصلين باللوطية حتما! فإن كان مجرد التشبه بالجنس الآخر في السلوكيات الظاهرية استوجب كل ذلك العقاب الأليم، من فضح وتشهير وسجن ومراقبة وفرض تعديل السلوك ووعيد بالطرد من رحمة الله، فكيف بمن يُمكِّن الرجال منه، أو تفحشُ بالنساء؟! ثم يقول الغر من المعالجين: هذه أدلة على أننا يجب أن (نحتضن) اللوطيين ولا نؤذيهم بقول ولا حتى بشتم اللوطيين واللوطية!
هذا والشيخ العجيري قد وقع في خطأ كبير عند اللوطيين ودعاتها أنفسهم: فاللوطية عندهم منفكة عن التخنث والترجل، وهي غير لازمة عند كافة المخنثين والمترجلات، فيقولون بل عندنا حالات لمخنثين متزوجين بنساء وحياتهم عادية، ومترجلات متزوجات برجال وحياتهن عادية، وليس كل لوطي يحسب نفسه امرأة، ولا كل لوطية تحسب نفسها رجلا، فلا كلام الشيخ منضبط من جهة الشرع، ولا كلامه سليم من جهة الخطاب اللوطي نفسه، أو حتى الخطاب المُعالِج المناهض للوطية! 
إن الشيخ لم يُحرر تلك المسألة بصورة جيدة، فوقع في هذا / ونصحي لكل متصدِّر من المشايخ والبارزين من أهل الشريعة: ذاك موضوع فيه من التعقيد ما الله وحده يعلمه، ولا يجب أن يتحدث كل إنسان فيه بتفصيل، فإن أراد أن يخرج إلى الناس متكلما، فليلزم أقوال أهل السنة ولا يخرجن عنها قيد أنملة، نجاءً لنفسه، ولا يستمعن لمن يأتي بملصق من هنا، وسطر من هناك، من شذوذات العلماء التي أولها غيرهم، طلبا لخدمة مشروع خبيث، وهو أسلمة الخطاب اللوطي، أو أسلمة مشروعات تطبيع وجودهم والترحيب بهم، معتقدا أنه بذلك يساير الواقع، ويُجدد الخطاب = ألا إنها فتنة، فلا تسقطوا!
وأنا أقول هذا، وأقسم للقارئ أن ما زادني اطلاعي على كل تلك المدارس والخطابات والعلاجات إلا يقينا أنه لم يعرض جماعة من البشر لتلك القضية أحسن من علماء الشريعة، إن لم يكن كلهم، فمجموعهم، وذلك ليس لعبقرية فيهم، بل لأن نصوص الله ورسوله كافية مُغنية، جامعة مانعة، لا تحوِج الإنسان لتفصيل، فهي على إجمالها مُبدعة متقنة، فإن كان ثم قول أنت مطالب بإعلانه، فالزم قول جمهور العلماء، واذكر الآيات والأحاديث، ولا تُضِف، ولا تستجلبن الشذوذات وخبايا الزوايا، أو الطنطنات التي يتفاخر بها حمقى علماء النفس، فلا هم علماء، ولا علمهم في هذا الشيء علم! 

والله المستعان. 

فيديو على القناة يعرض ذلك الاستدلال والرد عليه:


19 أكتوبر 2020.

Post a Comment

أحدث أقدم