صالون إخوان نازلي!

يصعب ألا يلحظ القارئ لعبد الحليم أبي شُقة - إن كان عارفا بتاريخ الحركة النسوية المصرية - ذلك التماثل المُريب بين ظروف إخراج كتابه الأشهر (تحرير المرأة في عصر الرسالة)، وكتاب قاسم أمين، الذي صدر قبله بقرن من الزمان: (تحرير المرأة).

فمن حيث المحتوى والخطوط العامة، فالمتأخر لا يعدو أن يكون توسُّعًا في الاستدلال على أفكار المتقدم بالسُّنَّة النبويَّة وأقوال العلماء: فالدعاوى الرئيسية فيه هي مناصرة أفكار النسويَّة العالمية التي قلدتها العربية في الهجوم على قصر وظيفة المرأة على المجال الخاص، واتهام الرجل الشرقي بأنه السبب في نكبتها التاريخية والمعاصرة بسبب استيلائه على المجال العام، وبنائه فقها وشرعا ذكوريا يقضي عليها بديمومة التخلف وثبوت الجهل ومرارة الحبس، ونسبة تصوراته المنحرفة إلى الدين كي يتخذ سلطانه عليها صورة مقدَّسة، والزعم أن الأمة تخلَّفت بسبب الضرر الواقع على نسائها، وكل ذلك يصب في دعم الفكرتين المركزيتين عند النسويات كلهن: [العداء للأبوية] التي يدخل فيها القوامة والولاية عندنا كمسلمين، و[العداء لانفصال الميدانين العام والخاص] بالقول أن الله خلق المرأة لوظائف البيوت ومنعها من الوظائف العامة، مع ما يستتبع ذلك عندنا من الحجاب إن كان في صورة النقاب، والقرار في المنزل، وحظر الاختلاط، والتسفيه من شأن الاختلافات الجبليَّة والفطرية بين الجنسين ونسبة أكثرها إلى الثقافة الذكورية الأبوية للرجال.

بل ويصل التشابه إلى دقائق مريبة، مثل الهجوم على تعدد الزوجات، وإن كان أبو شُقَّة أخفى هجوما وأمكر نقدا من أمين، غير أنهما يشتركان في الحجاج الرئيسي.

ولا يُدهش قدر التقديم الثائر المُقدِّس له من الغزالي والقرضاوي، فكأنما كانا يلعبان دور محمد عبده، المتهم الأول في نصرة كتاب قاسم أمين، والمتهم الثاني في حضِّه عليه، بعد نازلي فاضل وصالونها الذي لعب دورا كبيرا في تغريب النُّخَب المصرية، والتي غضبت من كتاب أمين الأول الذي دافع فيه عن الحجاب والقرار في المنزل، فاستدعته لكي (يعتدل) ويتبرأ من الغلو، فنجح صالونها في مهمته، ولم يكن ليفشل وفيه أمثال محمد عبده واللورد كرومر معا! فهل كانا يلعبان دور محمد عبده بعلم أو بغفلة؟ لا ندري، لكنهما - وخاصة الغزالي - تفوقا في لعب الدور بكفاءة، تبزُّ ثورية سلفهما الرائد!

وكما نُظِرَ قديما إلى كتاب قاسم أمين، باعتباره فتحا في مسار دمج المرأة المسلمة في (المسار الوطني)، فوصلت لاعتياد الاختلاط، وكراهية القرار، والانشغال بالشؤون العامة، والمطالبة بالمساواة الكاملة، وتقييد ولاية الرجال، وإبطال القوامة عمليا، جاء كتاب أبي شقة يحض على ذلك كله تصريحا، فعده البعض فتحا للإسلاميين والإسلاميات، وما هو في الحقيقة إلا بعث كتاب قاسم أمين سيء الذكر، واختراق نكِد للنسوية إلى داخل الحركة الإسلامية. لكن لما كان إنتاج جماعة الإخوان المسلمين، فقد ظل لزمن مقصورا على أولئك المتلبرلين، غير أننا نرى اليوم بعثه والحث على نشره من أطياف شتى، عجزت عن الدفاع عن الإسلام الحق ضد النسوية الراديكالية الحالية، والتي تغزو عوام النساء كلهن والإسلاميات في قلبهن، بلا رادع عند الأخيرات، نتاج نقص عنصر رجال الحركات الإسلامية في الشرق عامة، وفي مصر خاصة، سواء بالموت أو الاعتقال أو المطاردة، فسلَّمت تلك الزمرة التعيسة الانحراف، الضعيفة الاجتهاد، زمام الرد إلى النسوية المتلبرلة، أي النمط الإخواني، ولما كان عماده كتاب أبي شقة هذا، روجوا لهذا الخبث بين المسلمين!

فقري عينا يا نازلي فاضل، إنما يحمل راية شيطانك الذي روضتيه في عصرنا لا الجماعات العلمانية المعادية للإسلام، بل الجماعات الإسلامية الزاعمة العمل له، وما تكدح إلا لأعدائه، فهم مع المخلصين من أوليائه الصائلون عليهم، المغيرون على معروف غلوِّهم المزعوم، وهم مع الحاقدون من غرمائه الأوفياء لملتهم، الآمرون بمُنكر مذهبه المشؤوم.

وما محمد عبده الأمس، إلا غزالي وقرضاوي اليوم، وما قاسم أمين المقبور، إلا أبو شقة المبعوث، وما صالون نازلي فاضل البائد، إلا جماعة الإخوان الشقية. 

وخبث الأثر يصدق ذلك كله أو يكذبه.

الإسكندرية 11 سبتمبر 2021



1 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم