من مذكرات كوشنر: اللقاء الثاني مع عباس أبو مازن.

في زيارته الثانية إلى فلسطين، ولقاءه مع (عباس أبو مازن)، يروي كوشنر كيف تحدَّث هذا الأمريكي السخيف بأسلوب متعجرف وعدواني مع الرئيس الفلسطيني، وذكر بعض المظاهر والأفعال التي استوقفته منذ البداية، مثل الكراسي الفاخرة والأبهة الملكية لمضيفه الفلسطيني، وكيف كان يدخن بشراهة، وينتظر أحد مساعديه ليشعل له سيجاره ولا يشعله بنفسه. يقول: "اعتقدت أن عباس بدا كملك أكثر من كونه ممثلا للاجئين المضطهدين تاريخيا"! 
ثم يحكي كيف أنه حينما ضغط على (أبو مازن) من أجل تقديم عرض تفصيلي له، هدد أبو مازن: "إذا لم تعجبك طريقة إدارتي الأمور ها هنا، فببساطة سأعيد مفاتيح الضفة الغربية وسأترك الولايات المتحدة تدير الأمور"، فردَّ عليه كوشنر منفعلا: "بالتأكيد! سآخذ المفاتيح!".
يرى كوشنر أن التهديد كان مفتعلا غير صادق. ما السبب؟ يقول:
"كان خبراء السياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي قد حذروني من الضغط الشديد على عباس، فقد أصبح شريكا أمنيا قيما ضد النشاط المتطرف [يقصد: عمل المقاومة الفلسطينية] في الضفة الغربية، وكانوا يخشون أن يصير ضعيفا سياسيا وعلى وشك الاستقالة. وبينما اعتبروا تلك الاستقالة مصدر قلق حقيقي وخطير، إلا إنني رأيتها فرصة، لكنني كنت أعرف أن عباس لن يُجرؤ أبدا على ذلك! إذا سلَّم بالفعل مفاتيح الضفة الغربية، فسوف يفقد سلطته وأهميته، وسيدقق حينئذٍ خليفته في شؤونه الداخلية لا محالة، وهو الأمر الذي سيفضح حينئذٍ فسادة الواضح وأسلوب حياته الفاخرة الذي يعيش فيه على حساب شعبه! لقد تم ضخ عشرات البلايين من الدولارات في الضفة الغربية، وبرغم وجود بعض التقدُّم، إلا أنه من الواضح فقدان بعض الأموال، إذ كان لديه حياة جيدة وقصر رئاسي في رام الله وقصر جميل في الأردن. وبينما يتنقل رئيس الوزراء الإسرائيلي جوًّا داخل طائرة تجاريَّة تابعة لشركة العال، فإن عباس سافر حول العالم في طائرة خاصة بقيمة 50 مليون دولار"!
إن تلك الفقرة مؤلمة، لا لإن قائلها حكيم، بل لإنه تاجر صهيوني سفيه، ظل جاهلا بالسياسة والقضية الفلسطينية حتى في مذكراته التي كتبها بعد أعوام من رحيله خارج البيت الأبيض، فهو يخلط مثلا ويقول (حرب 1974 التي كانت في الجولان) فلا يعرف حرب 73 بدقَّة رغم زعمه أنه طالع كل الوثائق المتعلقة بالقضية تاريخيا، ويعتبر أن حرب 67 كانت عدوانا عربيا على إسرائيل، ويعتبر أنه شديد الذكاء ووصل إلى ما لم يصل له أمريكي قبله حينما طالب بمستند يثبت أحقية الفلسطينين في جعل القدس عاصمتهم، وقد عجز مساعدوه عن إيجاد وثيقة تثبت ذلك قبل 1988! يلوم الغبي العالم كله أنه تعامل مع (المزاعم الفلسطينية) كحقيقة، ولا يسأل نفسه مرة واحدة: من المُطالب يا صهيوني بدليل ملكيَّة؟ أصحاب الأرض الأصليون أم المعتدون أوباش الأرض؟! لكن اليهودي الصهيوني يتحدث منطلقا من حقائق لا يُفكِّر لحظة واحدة في مناقشتها: هذه أرضنا والباقي معتدٍ يجب مطالبته بدليل! أما نحن اليهود فدليلنا كتابنا المقدَّس وكفى به دليلا! هو لا يقول ذلك ولا يناقش حجته؛ فهذه حقائق مستقرة في نفسه ينطلق منها ولا تحتاج شرحا، ولو لم يكن القارئ مطلعا على تفكير اللوبي الصهيوني الأمريكي اليهودي منه والإنجيلي، لعجب ودهِش!
لا! ليس القائل هو من آلمني، بل آلمني أن حتى هذا التافه أدرك أن تلك اللعبة من حاكم عربي متهم بالفساد ليست أكثر من حيلة رخيصة، وأنه لا يوجد أي حاكم هذه صفته يمكن أن يضغط على ذراع أمريكا بهذا الموضوع! إنهم يعلمون أن أبا مازن إن أراد الرحيل، فهو ككل الفاسدين العرب من الحكام، سينتحر برحيله حيا! من سيخلفه سيدقق ويحاسب، وإن حاسب ستكون كارثة حقيقية!
كذلك ضيق موظفي وزارة الخارجية من وقاحة كوشنر مؤلمة، فهم يعتبرون الرئيس الفلسطيني (وكيلا أمنيا) وعينا ساهرة يجب ألا يفقدوها أبدا!
نعم، قد يقول كثير من الفلسطينيين: نعلم هذا وأكثر! بل الأمر قديم وأصله عند ياسر عرفات نفسه في اتفاقات التسعينيات! هذه هي حقيقة الاتفاقات: دولة فلسطينية هي في حقيقتها إدارة أمنية بالوكالة عن إسرائيل!
لكن أن تقرأ هذا في كلام القوم، وتعاملهم معه كحقائق، أمر آخر!

الإسكندرية - 7 يونيو 2023



Post a Comment

أحدث أقدم