في حب القاهرة!



بما أني عاشق للحضارات والآثار، فإن أكثر ما لفت نظري في اسطنبول هو أنها تستمد جمالها من ثنائية الطبيعة ذات التكوينات المذهلة، والمساجد العملاقة. وأنا لم أزر خارج الشرق عالما، لكن أظن أن ليس ثمَّ في المشرق أفضل في جمع هذه الثنائية (الطبيعة والضخامة) من اسطنبول. ومع ذلك، كان يسهل على عاشق للقاهرة مثلي أن يمل سريعا، إذ أن كل شيء في اسطنبول هو تكرار لمشهد واحد لا غير! صحيح أنه خيالي منعدم النظير، لكنه مُكرر بانتظام ورتابة!

إن المساجد كلها هي آيا صوفيا بتنويعات مختلفة!
المآذن كلها نفس التصميم الرشيق النحيل الموجود من آيا صوفيا لأصغر مسجد في أنطاكية شمال غرب سوريا!
كل شيء جميل فخم مصنوع بإتقان ومهارة، لكنه مكرر لا تنوع حقيقي فيه!
حتى حينما ذهبت إلى شرق تركيا، ومررت بقرى الأناضول، لازمني نفس المشهد الساحر الجميل، المُكرر حتى مشارف صحاري الشرق الكردية: الجبال الخضراء النازلة من الجنة، ومصدر الماء، ومسجد على نفس الطراز، والبيوت التي تشبه منازل فلاحي أوروبا -والتي يدفع الأغنياء في مصر ما يقارب المليوني دولار في الكومباوندات كي يحصلوا على صورة منها!
وهناك كانت المرة الأولى التي أنتبه فيها لفرادة الآثار المصرية!
إن من المعتاد لنا في مصر الطرز اليونانية والرومانية (خاصة لسكندري مثلي) فقد كنا في طفولتنا نلعب في (متنزه أنطونيادس) ذي التماثيل الهيللنية!
ومعتاد لنا كذلك الطرز الأوروبية للقرن التاسع عشر فقد كنا نزور (حدائق المنتزه) للهو بصورة منتظمة بين النخل والأشجار وأمام البحر والقصر الجميل!
وحينما نزور القاهرة كنا في يوم واحد نذهب للأهرامات صباحا في غرب القاهرة، ثم نقضي الظهر في المتحف المصري وسط الآثار الفرعونية، ثم قبل العصر نذهب إلى قلعة صلاح الدين المهيبة ونزور مسجد محمد علي، وبعد العصر نذهب للقاهرة الفاطمية والأزهر لنشاهد الطرز المتنوعة للفاطميين والمماليك ومساجدهم العملاقة، ثم يأتي الليل مع الحداثة إن كان قد تبقى وقت فنزور المولات والملاهي والكازينوهات النهرية -وربما ستاد القاهرة لمشاهدة مباراة الأهلي في زمن ما-، وما زال هذا هو المسار الترفيهي الذي اعتدته منذ صغري إلى اليوم، وإن كنت مؤخرا قد أصبحت أصاب بالإرهاق والتعب، وأقضي وقتا أطول لتأمل الآثار، فلم أعد أتحمل زيارة أكثر من مكانين في اليوم!
لم أشعر بأثر هذا الذي عشته وغُرس بداخلي إلا في إسطنبول!
المدينة رائعة وتبدو كما لو أنها القاهرة بعدما تحممت وتعطرت = لكن مع ذلك، إن كان قد أنعم الله على إسطنبول بالطبيعة، فقد عوض القاهرة بالتنوع البديع، وفي رأيي، أن التنوع أدفع للملل، ومع شخصي الذي يسأم من نظام غرفته ويغيره ألف مرة في السنة، سأظل أفضل القاهرة دوما!

Post a Comment

أحدث أقدم