بل العقاب للظاهر والباطن معا!

 فلأتحدث الآن عن أحدث (ترندات) تطبيع أو تهوين اللوطية، وفيها يُسلِّم لك القائل بكونها محرمة، لكنه يفرق بين نوعين منها: أولها هو (اللوطي) الفاعل، وهذا فاعل للفاحشة يجب عقابه. وثانيها امتلاك الميول، وهذا يسميه (مثلي الجنس)، ويقول لك هذا لا إثم عليه، ما دام لا يفعل، وألف باء شريعة أن العقوبات على الأفعال، لا الأفكار!

فالرد الموجز على هذا:
من قال بأن الشرع لا يحاسب سوى على المجهور به؟ بل في شريعة الإسلام عقاب على الأفكار الساقطة، ووعيد لمُستبطِن الرذيلة!
ومُنكِر هذا إما جاهل، فيحدد الشريعة بالعقوبات الإنسانية/الدنيوية لا غير.
إذ تتحدث الشريعة عن نوعين من العقوبات: الدنيوية، وتلك موكولة إلى ذي السلطان، والأخروية، وتلك بمشيئة الله.
فالذي يزني، قد يُنكِر ولا يكتمل نصاب الشهادة عليه، فينجو من العقوبة الأولى الدنيوية، لكنه داخل في العقوبة الأخروية ما لم يتب، وقد بينت الشريعة ذلك.
وكذلك من يكفر في باطنه، كأن يذم النبي أو ينكر أحكام الشرع، فهذا لا عقاب له في الدنيا، إذ لا نعلم سريرته، لكن بين لنا الشرع أن مثله يُحاكم في الآخرة في جملة الكفار المنافقين، رغم أننا لا نجرؤ أن نمسه في الدنيا طالما أظهر عكس باطنه، وتحدث الفقهاء أن من وقع في ذلك يستتيب نفسه، ويدخل في الإسلام من جديد، وهذا كله يصنعه، ولا يعلم به سواه، إذ لم يخرج من أحشائه لحظة.
وكذلك الحال مع من (يبطن) اللوطية، ويطبعها في نفسه، فلا يطلب توبة، ولا يدفعها عنه، ولا يسعى في تغييرها، أو من يطلق عليهم المخذولون عبيد الغرب: المتصالحون مع أنفسهم. فأولئك ليسوا (مثليين)، بل هم إلى جنس المنافقين أقرب، فالمسلم لا يتصالح مع فاحشة أو محرم عامة، ولا ينسب نفسه إلى تلك القاذورات، فلا يقول عن نفسه أنه (زنَّاء)، أو (سارق)، أو (سفاح)، إذ واجبه أن يدفع ذلك كله عنه، ويكافحه بنفسه، مستعينا بقرآنه، متبرءا إلى الله من كل خبيثة تسعى في تدنيس فطرته.
أما المسعى الماكر لتطبيع الأمر، باستغلال رأي من قصر الشريعة على الأحكام العملية الدنيوية، فيُقال إن (المثلية) ليست حراما، إنما الحرام هو الفعل فقط؛ فمروجه أحمق من دابة، إذ لو صح ذلك، لصح القول إن (زنا المحارم) ليس حراما، فيجوز أن يتخيل المرء أهله، أو لا يشعر بمنقصة أو بذنب إن فعل، ما دام لا يفعل هذا! ويجوز أن يفكر المرء في سرقة الناس، وذبح الأطفال، وقتل المؤمنين، ولا يشعر مع مثل هذه الأفكار بذنب، إذ هو لا يفعلها!
فالمحرمات بنات علات، مصادرها شتى، وأبوها واحد: (الشيطان)، والمسلم الذي يرضى بخبائث إبليس في نفسه، ولا يشعر بضيق منها، أو بتأثيم من ورودها عليه، أو بوجوب دفعها عنه، فهو إنسان لئيم، لا يُرتجى منه خير، يوالي الشيطان طائعا؛ فما بالك بالذي ينسب نفسه إلى هذه الخبائث، فيقول عن نفسه أنه (مثلي)؟ أي ضلال أكبر من ذلك؟
فإن قال قائل: ولكن ما اسم من تنازعه نفسه إلى اللوطية؟ قلنا: طالما ظل يدافعها، ويقاومها، ويحرمها، فاسمه: مسلم، لا (مثلي) ولا أي هوية مخترعة، وهو من جنس من يدافع عن نفسه الزنا، فلا نسميه زانٍ، ولا زنَّاء، فهو مسلم مُبتلى، وكذا من يدفع عن نفسه أكل الحرام، ومن يحجزها عن قطع الطريق، وإيذاء الناس. فكل أولئك مسلمون، مبتلون بخبائث من الشيطان، ولم ترض أن تخصهم باسم يُعيِّنهم، ويعطيهم هوية محددة، فما الذي يجعلك تأتي إلى المبتلى بميل للوطية وتخصه بضرورة تسمية محددة؟
إنما دفعك لذاك المسعى، ما دفعك إلى تبني التسمية نفسها: التغريب الثقافي الذي لوَّثك، وأسقم فكرك، فصرت تزعق مثلما يزعقون: خصوا أولئك بتسمية معينة!
والله المستعان على العصر الذميم.

(2 فبراير 2022)


Post a Comment

أحدث أقدم